هل يجوز إبدال الضاد ظاءً؟

هل يجوز إبدال الضاد ظاءً؟

بقلم/ محمد بن محمود حوا

يجمع علماء القراءة على أن النبي r كان ينطق الضاد نطقاً مختلفاً عن نطق الظاء، واستمر الحال على ذلك في زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم حتى ظهر القول بنطق الضاد كالظاء، بحجة أن الظاء أقرب الحروف للضاد، وأن الضاد التي تنطق في زماننا هي دال مفخمة.

ولنناقش هذه المسألة كالآتي:

  • يتفق المسلمون على أن القرآن محفوظ إلى قيام الساعة بدليل قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر : 9 ).
  • ويتفق المسلمون على أن القرآن منقول بالتواتر، فهو متواتر في لفظه ورسمه. ونطق الضاد جزء منه وهو متواتر إلى يومنا هذا، وإن جهله البعض.
  • ويتفق المسلمون أيضا على أنه ليس لبشرٍ أن يغير حرفاً من كتاب الله تعالى، كائناً من كان حتى لو كان رسول الله r، قال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (يونس : 15 )
  • بعد هذا الاتفاق هناك احتمالان:

الأول: أن القرآن ما زال يقرأ غضاً طرياً كما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي تكون الضاد مختلفة عن الظاء. ولا يجوز إبدال حرف منهما بالآخر.

الثاني: أن القرآن اليوم يقرأ بخلاف ما كان يقرؤه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا باطل لأنه مناقض لمقتضى الحفظ الإلهي للقرآن والمذكور في الآية.

  • إن الله سبحانه وتعالى عليم، يعلم ما كان وما سيكون، وهذا يعني أن الله يعلم ما سيكون عليه حال الأمة في قراءتها للقرآن في زماننا وقبله وبعده، فإذا كلفنا نطق الضاد ضاداً كما نطقها النبي صلى الله عليه وسلم مع أننا لن نستطيع ذلك بسبب اختلاط اللغات وضياع نطق الضاد فيكون ذلك من التكليف بما لا يطاق، علماً بأن الله خفف على الأمة في زمن نزول القرآن وأنزل القرآن على سبعة أحرف تخفيفاً على الأمة، أفليس الأَوْلى -مع علمه سبحانه بعجزنا عن نطق الضاد ضادا -أن ينزلها ضمن الأحرف السبعة تخفيفاً على الأمة كما أنزل الأحرف السبعة.
  • إن فتح الباب لتغيير الضاد إلى ظاء يفتح باب التحريف في كتاب الله، فكل من عجز عن الإتيان بحرف من حروف القرآن غيَّره إلى حرف آخر، فتتحول الطاء الشديدة المجهورة إلى طاء مهموسة وكذلك القاف، وتتحول الجيم إلى حرف بين الجيم والشين، وهكذا بحجة عموم البلوى أو صعوبة الحرف، وبالتالي يُحَرَّف النطق بالقرآن تدريجياً على مدار السنين تبعاً للّهجات العامية المنتشرة في بلاد المسلمين بسبب التساهل باللغة العربية الفصحى وينسب ذلك زوراً وبهتاناً إلى القُرَّاء الذي ينقلون القرآن بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • إن التماثل في المخرج ليس مبررا لإبدال حرف بحرف إن اختلفا في الصفة. كما هو الحال في التاء والدال، أو في الزاي والسين. وكذلك فإن التماثل في الصفات ليس مبرراً لإبدال حرف بحرف إن اختلفا في المخرج، كالحاء والهاء، فالتقارب في المخارج أو الصفات وعدم تماثلهما من باب أولى أن يمنع جواز إبدال حرف بآخر.
  • إن قول بعض الفقهاء بصحة صلاة من يبدل الضاد ظاءً في سورة الفاتحة قول مبنيٌّ على الضرورة بالنسبة لمن لا يستطيع تصحيح نطقها، حتى لا يقع في المشقة، فلا يصح ولا يجوز بحال أن تُجعل الضرورة أصلاً ويطالب من يقرأ الضاد الصحيحة أن يتحول عنها إلى الظاء (إن هذا لشيء عجاب).
  • إن احتجاج البعض بما عليه أهل البادية في زماننا من تغيير الضاد إلى ظاء بحجة أنهم أهل العربية الأصليون احتجاج مرفوض جملة وتفصيلاً لأن العلماء لم يعودوا يحتجون بكلام الأعراب منذ زمن بعيد لتغير لهجاتهم وتحول سليقتهم عن الفصاحة التي كانت زمن نزول القرآن، والأَوْلى بهؤلاء أن يحتجوا بما عليه القراء المتقنون المسندون إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
  • وأخيراً نسأل سؤالاً واحداً: إذا كان الضاد والظاء من حيث النطق صوتهما واحد فلماذا جعلا في القرآن حرفين ، ولماذا تختلف معاني الكلمات باختلافهما؟

وإننا والله لنربأ بمن يدعو إلى هذا التساهل في نطق الضاد أو يفتي بجواز ذلك أن يكون سبباً في تحريف كتاب الله المبين فيكون من الآثمين.

وختاماً: فالقرآن محفوظ مكتوباً ومقروءا إلى قيام الساعة ولن تخلو الأرض من قائم لله بحجة يذب عن كتاب الله تعالى، والأمة بمجموعها تقرأ القرآن كما أنزله الله تعالى: لا تخرم من ذلك حرفاً وهذا ما ندين الله تعالى به. نسأل الله تعالى: أن يجعلنا ممن يقرؤون القرآن غضاً طرياً كما أنزل. وأن يجعلنا خدماً لكتابه مخلصين لوجهه الكريم إنه سميع مجيب.