
عظمة القرآن في القرآن/ 13/ كتاب عزيز
د. محمد محمود حوا
وصف الـلّه كتابه الكريم القرآن الكريم بأنه "كتاب عزيز" وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت 41-42].
عن قتادة ، قوله : {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم} كفروا بالقرآن.وقوله : {وإنه لكتاب عزيز} يقول تعالى ذكره : وإن هذا الذكر لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه ، وحفظه من كل من أراد له تبديلا ، أو تحريفا ، أو تغييرا ، من إنسي وجني وشيطان مارد[1].
فالقرآن عزيز أي: "منيع الجناب، لا يرام أن يأتي أحد بمثله، { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ } أي: ليس للبطلان إليه سبيل؛ لأنه منزل من رب العالمين؛ ولهذا قال: {تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } أي: حكيم في أقواله وأفعاله، حميد بمعنى محمود، أي: في جميع ما يأمر به وينهى عنه الجميع محمودة عواقبه وغاياته"[2].
ويقول السعدي: "{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ } أي: يجحدون القرآن الكريم المذكر للعباد جميع مصالحهم الدينية والدنيوية والأخروية، المُعلي لقدر من اتبعه، { لَمَّا جَاءَهُمْ } نعمة من ربهم على يد أفضل الخلق وأكملهم. { و } الحال { إِنَّهُ لَكِتَابٌ } جامع لأوصاف الكمال { عَزِيزٌ } أي: منيع من كل من أراده بتحريف أو سوء، ولهذا قال: { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ } أي: لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه كما قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }"[3].
ويمكن أن نلخص أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى:
- أن الله سبحانه أعز قرآنه وجعله عزيز الجناب لا يمكن الإتيان بمثله.
- وأن القرآن كتاب محفوظ لا يمكن أن تناله يد التحريف والتبديل، لا بالزيادة ولا بالنقص.
- وأن القرآن لا مثيل له، بل هو كتاب الله، وقد عجز الجن والإنس عن الإتيان بمثله، وسيبقون عاجزين، { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء: 88]، وعجزهم مستمر إلى قيام الساعة.
وكون القرآن الكريم "كتاب عزيز" يقتضي منا أموراً منها:
- تعظيم مكانته وأوامره، وجعله في موضع العزة والرفعة دائما.
- اليقين بأنه كلام الله تعالى، لأنه عزيز، والعزيز يصعب مناله ووجود مثله[4].
- التسليم لأوامره واليقين بأنه طريق الفلاح في الدارين؛ لأن "جميع ما يأمر به وينهى عنه الجميع محمودة عواقبه وغاياته"[5].
- الاعتزاز به وبما جاء فيه؛ لأنه كتاب عزيز منزل من الله العزيز لأمة عزيزة إن تمسكت به، قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ } [المنافقون: 8].
- قراءته بتعظيم وتوقير وفق قواعد الأداء المقررة لدى علماء التجويد بعيدا عن التنطع والتكلف والتطريب المحرم، وقد روى عن القاسم بن محمد: أن رجلا قرأ في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطرّب، فأنكر ذلك القاسم وقال يقول الله عز وجل:" وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ. لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ" الآية. ورُوى عن مالك أنه سئل عن النبر في قراءة القرآن في الصلاة، فأنكر وكرهه كراهة شديدة، وأنكر رفع الصوت به[6].
- تعاهد القرآن الكريم، ومداومة تدبره والنظر فيه، لزيادة الإيمان، فالقرآن عزيز، "ومن عزّته أنه لا يطاله قلب الكافر، ومن ثم قال تعالى وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى وما ذلك إلا لعزّته فإنّه يأبى أن يصل إلى قلب كافر، ومن عزته أنه لا يبقى في قلب إذا لم يعطه حقه من العناية والرعاية، ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام: « تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا »[7].
- ترك المراء والجدال في القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « الْمِرَاءُ في الْقُرْآنِ كُفْرٌ»[8]، والجدال في القرآن "هو أن يقال مرة إنه سحر ومرة إنه شعر ومرة إنه قول الكهنة ومرة أساطير الأولين ومرة إنما يعلمه بشر ، وأشباه هذا مما كانوا يقولونه من الشبهات الباطلة فذكر تعالى أنه لا يفعل هذا إلا الذين كفروا وأعرضوا عن الحق"[9].
[1] تفسير الطبري (20 / 443).
[2] تفسير ابن كثير (7 / 183).
[3] تفسير السعدي (1 / 750).
[4] مفردات القرآن للأصفهاني (1 / 564).
[5] تفسير ابن كثير (7 / 183).
[6] تفسير القرطبي (1 / 10).
[7] الأساس في التفسير (9 / 5031)، والحديث رواه مسلم في صحيحه، رقم (1880).
[8] سنن أبي داود، رقم (4605).
[9] تفسير الرازي ( 27/ 486).