ثمار الوقف والابتداء

ثمار الوقف والابتداء

بقلم المقرئ: خالد محمد نور

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله r خير عباد الله، وبعد:

لما كان التفكر والتدبر مطلوب منا لنصل من خلاله إلى المعاني القرآنية، فإن الوقف والابتداء له صلة وثيقة بالمعنى.

وفي هذا المقال سأستعرض مثالاً واحدا كتطبيق على الوقف والابتداء لنرى عظمة القرآن وأهمية التدبر وكيف تتولد المعاني وقفا وابتداء، كما أن المعاني قد تتغير رأساً على عقب إذا لم نحسن هذا العلم.

يقول الله تبارك وتعالى: ]قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[ [يونس68].

الوقف الأول: على كلمة (ولداً)لأنه مقول القول (قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا). وهو وقف وجيه لأن المعنى انتهى بذكر كلام المشركين ثم يبدأ الرد عليهم.

الوقف الثاني: على كلمة (سبحانه).

يصح الوصل والوقف على كلمة (سبحانه) (قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ) وهو رد سريع على ادعائهم الباطل الذي لا يحتمل التوقف والتأخر في الرد. مثل أن تسرع بالرد على إنسان تفوه بكبيرة تسكته على الفور لأنه أتى أمرا عظيماً، وأي شيء أعظم من أن ينسب الولد لله سبحانه ]لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) [ [مريم 89-91] فمن سمع هذا الكلام لا يحتمل أن يصبر.. بل يسارع للرد على قولهم فوراً (سبحانه).

وأما كلمة (سبحانه) فيصح الابتداء بها والوقف عليها لأن فيها تسبيح وتنزيه لله تعالى فهي كاملة المعنى.

الوقف الثالث: على كلمة (هو) (قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ) (سُبْحَانَهُ هُوَ) وهو زيادة تأكيد معنى التنزيه لله تعالى لأن الضمير (هو) يعود على الله وحده، ولا يمكن أن يكون لغيره.

الوقف الرابع: على كلمة (الغني) (قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ) (سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ) وهذا الوقف أقوى من الأول لأنه بعد نفي نسبة الولد لله أخبر أن الله غني عن الولد وتكون كلمة (الغني) خبر للمبتدأ (هو).

الوقف الخامس:  على (قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ) وذلك فيه إكمال للمعنى من أن الله مالك السماوات والأرض، والمالك لكل شيء لا حاجة لأن يتخذ صاحبة ولا وولداً يشاركه في ملكه.

والقاعد تقول حيث كان الوقف تاماً فالابتداء تام او كاف فالابتداء كاف.

وتطبيق ذلك:

الابتداء من قوله تعالى (سبحانه) يصير (سبحانه هو الغني...).

ومن قوله (هو) يصير (هو الغني...).

ومن قوله (الغني) يصير (الغني له ما في السماوات..).

ومن قوله (له) يصير (له ما في السماوات وما في الأرض..).

وبعد هذه الاختيارات الصحيحة في الوقف والابتداء والتي تبرز كل واحدة منها معنى يؤكد على المعنى العام أرجو من الأخ القارئ أن يركز الآن على وقف وابتداء تتجلى فيه عظمة التدبر للمعاني.

لو تأملنا كلمة (الغني) لرأينا بأنها مرتبطة بما قبلها ترد على المشركين بأن الله غني عن الولد.

ولو ربطناها بما بعدها لرأيناها تثبت معنى الغنى المطلق لله بامتلاك كل شيء.

فعندما تقرأ وتقف ]قالوا اتخذ الله ولدا.ً سبحانه هو الغني[ فإن الوقف هنا أكد معنى الغنى عن الولد وتكون (الغني) خبر.

وعندما تبدأ (الغني له ما في السماوات ومافي الأرض..) تكون (الغني) مبتدأ أي اسمعوا أيها الناس واعلموا أن الغني حقاً هو الذي يملك ما في السماوات وما في  الأرض، ومن لا يملك ذلك فهو فقير. تجلى هذا المعنى بالابتداء بكلمة (الغني) أما الوقف فأعطانا معنى مهماً آخر.

تصور لو أن مليارديراً يسمع هذا الكلام ويتأمل المعنى (الغني له ما في السموات وما في الأرض) أي إذا لم تملك هذا فأنت فقير.. ومن يملك الآااوسماوات والأرض إلا الله سبحانه، ولذلك قال تعالى : ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ..[ [فاطر 15]. فالأغنياء مهما أوتوا من أموال  فهم فقراء.

فيا من يعتبر نفسه غنيا... الغني هو الله .. لأن شرط الغنى هو الملك الحقيقي للسموات والأرض وما فيهن. حتى لو ملك الأرض كلها لا يكون غنيا.

فالوقف على كلمة أبرز معنى مهماً.

والابتداء بنفس الكلمة أعطى معنى آخر عظيماً لله. وأثبت بنفس الوقت معنى ثالثاً هو فقر العباد.

وهكذا فإبراز المعاني في الوقف، أو إبرازها بالابتداء ، أو يكليهما معاً من ثمار التدبر.

والله تعالى أعلم.