عظمة القرآن في القرآن/ 12/ كلام الـلّه

د. محمد محمود حوا

وصف الـلّه كتابه الكريم القرآن الكريم بأنه {كلام الـلّه} وذلك في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ الـلّه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (التوبة: 6)

وقد روى السدي في تفسير قوله تعالى: {فأجره حتى يسمع كلام الـلّه} أما كلام الـلّه: فالقرآن[1].

وقال السعدي: "وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام الـلّه غير مخلوق؛ لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم: أن القرآن مخلوق"[2].

وقال القرطبي: "قال العلماء في قوله تعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الـلّه} دليل على أن كلام الـلّه عز وجل مسموع عند قراءة القارئ، قاله الشيخ أبو الحسن والقاضي أبو بكر وأبو العباس القلانسي وابن مجاهد وأبو إسحاق الإسفراييني وغيرهم، لقوله تعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الـلّه} فنص على أن كلامه مسموع عند قراءة القارئ لكلامه. ويدل عليه إجماع المسلمين على أن القارئ إذا قرأ فاتحة الكتاب أو سورة قالوا: سمعنا كلام الـلّه"[3].

وعن قتادة  في قوله: {حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الـلّه} أي: كتاب الـلّه[4].

قال القاسمي في محاسن التأويل: " فإن مذهب سلف الأمة وأهل السنة: أن القرآن كلام الـلّه منزل غير مخلوق، منه بدا وإليه يعود، هكذا قال غير واحد من السلف.

روي عن سفيان بن عيينة عن عَمْرو بن دينار وكان من التابعين الأعيان قال: ما زلت أسمع الناس يقولون ذلك، القرآن الذي أنزله الـلّه على رسول الـلّه صَلّى الـلّه عليّه وسلّم هو هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم، وهو كلام الـلّه لا كلام غيره، وإن تلاه العباد وبلّغوه بحركاتهم وأصواتهم، فإن الكلام لمن قاله مبتدئاً، لا لمن قاله مبلغاً مؤدياً، قال الـلّه تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ المشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلاَمَ الـلّه} [التوبة: 6] وهذا القرآن في المصاحف كما قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مّحْفُوظٍ} [البروج: 21 - 22]، وقال تعالى: {يَتْلُو صُحُفاً مّطَهّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيّمَةٌ} [البينة: 2 - 3]، وقال: {إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مّكْنُونٍ} [الواقعة: 77 - 78].

والقرآن: كلام الـلّه بحروفه ونظمه ومعانيه.

...الواجب أن يقال: هذا القرآن العربيّ هو كلام الـلّه، وقد دخل في ذلك حروفه بإعرابها، كما دخلت معانيه، ويقال: وما بين اللوحين جميعه كلام الـلّه، فإن كان المصحف منقوطاً مشكولاً أطلق على ما بين اللوحين جميعه أنه كلام الـلّه، فإن كان غير منقوط ولا مشكول، كالمصاحف القديمة التي كتبها الصحابة، كان أيضاً ما بين اللوحين هو كلام الـلّه، فلا يجوز أن تلقى الفتنة بين المسلمين بأمر محدث ونزاعٍ لفظيّ لا حقيقة له، ولا يجوز أن يحدث في الدين ما ليس منه"[5].

وإيماننا بأن القرآن الكريم "كلام الـلّه" يقتضي منا واجبات متعددة منها:

  • التصديق الجازم: يقول الـلّه تعالى: {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الـلّه حَدِيثاً} (النساء: 87)، ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ الـلّه حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الـلّه قِيلاً} (النساء: 122) فإذا كان كلام الـلّه وقوله سبحانه هو القول الأصدق فلا شك أن الواجب تجاه ما جاء فيه هو التصديق الجازم؛ لأنه كلام حق لا ريب فيه {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} (السجدة: 2).
  • تعظيم القرآن الكريم: فهو كلام العظيم جل جلاله، وهو صفته عز وجل، وعليه فينبغي لنا أن نعظم القرآن، فلا نلهو عند سماعه ولا ننشغل عنه بسواه. وأن نتدبره عند تلاوته ونتفكر فيه فلا نتلوه ونحن غافلون عن معانيه، ومن تعظيم القرآن تعظيم ما يكتب فيه كالمصاحف وكتب العلم فهذا من الأدب مع كتاب الـلّه تعالى، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الـلّه فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج: 32).
  • الالتزام بما جاء في القرآن، فمن يعلم أن القرآن كلام الـلّه فإنه يتلقاه للعمل بما جاء فيه، ولا يخالفه، فإذا تليت عليه آيات القرآن زادته إيمانا وتقوى وطاعة لله، ولا يكون حاله كحال المنافقين الذي قال الـلّه عنهم: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ الـلّه قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ الـلّه مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (الفتح: 15).
  • النصيحة لكتاب الـلّه: وتكون بأمور عدة منها: تلاوته تلاوة صحيحة مرتلة كما أمر الـلّه تعالى: (.. وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزّمِّل: 4) وهي التي تكون على وفق قواعد علم التجويد، كما تكون بالعمل بما جاء فيه، وتدبر آياته للتعرف قدر الإمكان على مراد الـلّه تعالى ومن ثم السعي لتطبيقه في واقع الحياة.
  • الدعوة إلى كتاب الـلّه تعالى: فالمؤمن مأمور بالدعوة إلى الإسلام من خلال عرض كتاب الإسلام المحفوظ، كما أن المسلمين مأمورون بالرجوع إلى كتاب الـلّه ليكون هو المرجع عند الاختلاف، به يعتصم المسلمون عند الفتن، وإليه يلجؤون لتمييز الخير من الشر فيكون لهم فرقاناً ونوراً.
  • التمسك بكتاب الـلّه تعالى: لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الـلّه جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران 103). وقد ذهب جمع من المفسرين إلى أن حبل الـلّه هو: القرآن[6].
  • الدفاع عن كتاب الله تعالى: أمام هجمات المغرضين، وتأويل الجاهلين وانتحالات المبطلين، وتناقضات الزائغين الذين يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وحالهم كما وصف الله جل جلاله: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف:8).
  • محبة القرآن الكريم: وهذا مقتضى محبتنا لله عز وجل أن نحب كلامه، ونحب تعاليمه وتوجيهاته، ونطيع أوامره، ونجتنب نواهيه، لأن المحب لمن يحب مطيع.

جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

 

 

[1] تفسير الطبري (11/ 347).

[2]  تفسير السعدي (1/ 329).

[3]  تفسير القرطبي (8 / 77).

[4]  فتح القدير للشوكاني (3/ 223).

[5]  محاسن التأويل للقاسمي 1724.

 

[6]  تفسير الطبري (5 / 644).