عظمة القرآن في القرآن 9/ البيان الأفصح 2 مظاهر الإعجاز البياني في القرآن الكريم
د محمد محمود حوا
ذكرت في المقال السابق كيف بهر القرآن العلماء وأعجز الفصحاء ببيانه، وقد حاول العلماء على مر العصور أن يعددوا مظاهر الإعجاز فظفر كل منهم بعدد منها، وفيما يأتي أذكر بعض ما ذكره العلماء من مظاهر الإعجاز البياني في القرآن الكريم حيث ذكروا منها[1]:
- الأسلوب المخالف لجميع أساليب العرب: ذلك أن نظمه البديع مخالف لكل نظم معهود في لسان العرب وفي غيرها؛ فلا هو بالشعر، ولا هو بالنثر، بل هو نظم له أسلوبه الخاص، وقد قال رب العزة الذي تولى نظمه: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} (يس:69).
- الجزالة التي لا تصح من مخلوق بحال. قال ابن الحصار: وهذه الثلاثة من النظم والأسلوب والجزالة لازمة كل سورة، بل هي لازمة كل آية، وبمجموع هذه الثلاثة يتميز مسموع كل آية وكل سورة عن سائر كلام البشر، وبها وقع التحدي والتعجيز، ومع هذا فكل سورة تجد فيها هذه الثلاثة.
- التصرف في لسان العرب على وجه لا يستقل به عربي حتى يقع منهم الاتفاق من جميعهم على إصابته في وضع كل كلمة وحرف موضعه.
- التناسب في جميع ما تضمنه ظاهرا وباطنا من غير اختلاف قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} (النساء: 82).
ويرى الرافعي أن سر الإعجاز في الكلمة القرآنية[2]:
- صوت النفس: وهو الصوت الموسيقي الذي يتكون من تأليف حروف الكلمة واجتماعها ومخارجها وحركاتها ومداتها وغناتها.
- صوت العقل: وهو الصوت المعنوي المختص بمعنى الكلمة ومخاطبتها للعقل والفكر.
- صوت الحس: وهو اجتماع إيقاع حروف الكلمة وروعة معانيها فلا تجد كلمة فضفاضة تزيد عن المعنى الذي جيئت من أجله وأخرى لا تعبر عن المعنى تعبيراً تاماً.
وتحدث الدكتور محمد عبد الله دراز عن الإعجاز في القرآن الكريم في كتابه (النبأ العظيم) فذكر أن أول ما بهر العرب في القرآن الكريم نظامه الصوتي والذي له مظهران[3]:
- ترتيب الحروف في كلماتها من حيث الحركة والسكون.
- وضع الحروف بعضها فوق بعض، فهذا مهموس وهذا مجهور وذاك فيه صفير وآخر فيه قلقلة.
وهذان المظهران يمثلان جمال الإيقاع في القرآن الكريم وهو ما يعبر عنه بالجرس الصوتي أو موسيقى الألفاظ كما سماها الرافعي.
وعدد دراز خصائص أسلوب القرآن التي كان بها معجزًا وهي[4]:
- القصد في اللفظ والوفاء في المعنى، فلا تجد فيه كلمة زائدة عن الحاجة مع استيفاء المعنى المقصود استيفاء كاملاً.
- خطاب العامة وخطاب الخاصة، فهو كما يخاطب العلماء يفهمه العامة.
- إقناع العقل وإمتاع العاطفة، فهو يخاطب العقل بالبراهين، ويحرك الأحاسيس الوجدانية بما في نصوصه من عاطفة قوية.
- البيان والإجمال: فقد جمع بين البيان الواضح دون إسهاب وتطويل في الكلام، وبين الإجمال الذي ليس فيه إبهام ولا لبس ولا غموض.
ولخص سيد قطب خصائص الأسلوب القرآني فيما يلي[5]:
- تأثيره على النفوس وسلطانه العجيب على القلوب، حتى يؤثر بتلاوته المجردة حتى على الذين لا يعرفون من العربية حرفاً واحداً.
- استثمار الألفاظ القليلة في التعبير عن القضايا الكبرى.
- احتمال النص لمعان كثيرة كلها صحيح مقبول.
- استحضار الـمَشاهد وتجسيم الأحداث وتصويرها تصويراً ينفذ إلى أعماق النفس، وهو ما سماه التصوير الفني في القرآن الكريم.
وهكذا نجد أن النص القرآني له جوانب كثيرة من الإعجاز، وكلما جاء جيل ظهر له من بيان القرآن وإعجازه ما يجعل الإيمان أكثر رسوخاً في قلوب المؤمنين.
وهذا الإعجاز البياني يقتضي منا:
- أن نجتهد في فهم لغة العرب وتعلم أساليبها البلاغية؛ لكي نستطيع كشف كنوز البلاغة والبيان في القرآن الكريم.
- توظيف هذه الكنوز في ترسيخ اليقين والإيمان في نفوس المؤمنين.
- رد الشبهات عن دين الإسلام وإثبات أن القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو القائل سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ( 13 ) (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} (هود 13- 14).
[1] انظر: تفسير القرطبي 1 / 73 . د فضل عباس، إعجاز القرآن الكريم، 93-95 . د صلاح الخالدي، البيان في إعجاز القرآن،ص 160 وما بعدها.
[2] ينظر: د فضل عباس، إعجاز القرآن الكريم، 93-95 . د صلاح الخالدي، البيان في إعجاز القرآن، ص 161 .
[3] ينظر: د محمد عبد الله دراز، النبأ العظيم ، ص 103. د فضل عباس، إعجاز القرآن الكريم، 103 ـ 108. د صلاح الخالدي، البيان في إعجاز القرآن ، 171 ـ 178.
[4] ينظر: د محمد عبد الله دراز، النبأ العظيم ، ص 109.
[5] ينظر: د صلاح الخالدي، البيان في إعجاز القرآن، ص207 .